على الجيف من يحيا ..
أنى الطيب يهواه
الشر طرّز بالضلال سماه *** والفقر أطلق في الحياة وغاه
واللهجة الجوفاء أزجى بحرها *** لجج الجريمة في سلال لظاه
والحق بالخذلان كفّن نفسه *** فإذا دموع القهر رجع نواه
وعواصف الأطماع في مضمارها *** قد أفرخت للعصر رهج عماه
ورحى العجائب شمرت عن ساقها *** وروت لحاضرنا طريف قذاه
صوراً قوانين الذئاب سوادها *** والغدر منطقُ متنها ورباه
خلعت على الحرباء من ألوانها *** ما أضحك الأقوى ورب عصاه
فاستعبد الأدنى الضعيف مهانة *** تبتز باللأواء رعد إباه
وتروّض الأسد الهصور " نعامة *** ربداء " يُسْلِم للسلام حماه
زمن الدهاقنة اللئام بَدا به *** طفل النكاية حاضناً لأساه
قد أرهق العدم الكؤود وجوده *** فتقاسم الجوع المرير قواه
وتوشح العُري الموشى بالصقيـ *** ـع أديمه ومضى يشب ضناه
وتبخرت في وهنه أدواؤه *** بغياً وألقت للعذاب حصاه
حتى الأحبة خلّفوه وغادروا *** بحثاً عن القوت الشريد فتاهوا
تركوه للآلام يلعق كربه *** ويخطّ في صلف الوجوم بكاه
ويصب للتاريخ جام أنينه *** وإدانة الأفعى البغي رجاه
حتى إذا ما ملّه الكوخ الذي *** برتابة الوجع العُتي كواه
أمّ الفضاء الرحب يغسل طرفه *** في أرخبيل الليل خلف قُراه
ومضى يلاعب غُصة الحُرَق التي *** فيها شموخ البؤس سنّ مداه
وكما رأى – حال المصيبة – أُمّه *** تأتي سجود الخاشعين أتاه
يا رب : ساد الذل رقعة عالمي *** هذا المصنف ثالثاً لغباه
وشرى الذي يخزي بمدحة فاجر *** أثنى ليحصد ما تطول يداه
ومضى يهرول خلفها ولعاً بما *** قالت " حَذامِ " فقولها أجواه
فإذا بنا في ظل عولمة الدجى *** في الظلم نغرق حاميين لواه
نفنى لكي يحيا الغني ونمتطي *** حسك الضنا كيما يدوم رخاه
ونعيش في ذيل الحياة خريطة *** يجتاحنا استغلاله وأذاه
في " دارفور " وآسيا وإفريقيا *** في كل ما زان الأذانُ سماه
باسم الحضارة والتقدم والتقى *** والزيف ما نافى النداء صداه
وأنا ولوني شاهد حيٌّ على *** هذا الذي بالزيف حاط وباه
وهنا !! أتى نسر تنزل وارتدى *** سُكنى جناحيه وحط وراه
وكقانص صلب القوام مجرب *** خبر الوقوف على بساط دهاه
عينيه سدّد كالرصاص وفي سجـ *** ـود الطفل راح يرج قعب مناه
من بعد ما أخفى تطاول عنقه *** في منكبيه تهيؤاً لغذاه
من أنت ؟ ما تبغي ؟ لا تبدو هنا ؟ *** والطفل ليس بجيفة أتراه ؟
أم خانك الأنف الشموم فلم تعد *** تدري سبيلاً للذي تهواه
ألقى خيول الردَّ في سمت وفي *** ثوب قشيب قال ما فحواه :
إني أنا شيخ النسور وسيد الـ *** أطيار والرمز الوريف عطاه
أضحيت بالبأس المفدى كعبة *** للمستجير وراعياً لخطاه
وغدوت للإرهاب برقاً ماحقاً *** يكفي تخوم الأرض نار بلاه
وأتيت أحمل للسلام غصونه *** وأسوق للطفل النكيب هناه
وأمد للتحرير إنسانيتي *** كفاً يحقق للضعيف رجاه
وبذا فقد كُلفتُ من أمم غدت *** في مجلس التحكيم نبع حداه
ولما وقوفك هكذا متربصاً ؟ *** رسل السلام وقوفها يرعاه
لا .. لم أشأ ما خلته من وقفتي *** فأنا الغني عن الذين تناهوا
ما كنت إلا مصغياً لدعائه *** ذاك الذي إرهابه أملاه
من ثم عدت مفكراً في علة الـ *** ـداء العضال وفي دلاء دواه
فوجدت ربقة جهله قد مثّلت *** في عنقه السبب الذي أغواه
فركبت معراج التأمل طالباً *** وجهاً لبتر رباطها وعناه
أضحكتني ، شيخ النسور بما حوى *** تبريرك المعسول ما أحلاه
يبدو بطهر العشب في ألق الضحى *** والجوف يرعد من خلوف رحاه
أوليس مجلس دجلكم من كال في *** جور بمكيالين دون سواه ؟
من شره أتت المعرى من عرى *** الأخلاق حين الفسق شاد علاه
في فعلك الترويع والإرهاب ما *** أفضى إليه بباطل فنماه
أنى يحب الطيب من يفنى به ؟ *** ومتى يعاف الجيف من يهواه ؟
فإذا غدوت – لغير دأب – آكلاً *** حياً وإنساناً فإنّ لحاه
من نزعة العصر الأثيم تفتقت *** بشريعة الغاب اللعين غواه
لكنما سنصد عنك الطفل ما *** كان استطاع فداءنا وفداه
وإذا غلبت فإن وافر أكلك الـ *** ـمنهوم حتماً سوف يحكم فاه
ويحيل بطشك فترةً موَّارة *** تُجري – غداً – للجيل فيك قضاه
فتبيت رهن العدل ، لا جبروت ، لا *** سلطان لا " فيتو " تُحيل دجاه
مهما علا في الدهر دخان القوى *** لا بد يدفن في لهاث ذراه
عبد الله محمد العابدي – صنعاء